23 نوفمبر 2024 | 21 جمادى الأولى 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

الشيخ فارس المصطفى: رحمة النبي كانت رحمة كونية تتجاوز البشر إلى الرحمة حتى بالشجر

21 ديسمبر 2015

في كل عام عندما يهل على الأمة شهر ربيع الأنوار، يعيش العالم الإسلامي أياما مباركة، يحتفلون فيها بذكرى مولد النبي المجتبى، الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد.

عن ذكرى مولد النبي تحدث فضيلة الشيخ فارس المصطفى، الداعية والقارئ، أننا ونحن نتفيأ ظلال ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم، نتأمل وصف ربنا جل وعلا له في القرآن {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين} الأنبياء:107، يقول علماء العربية أن في هذه الآية أسلوبان؛ أسلوب القصر، وأسلوب الحصر، في الكلمتين (وما ، و إلا) كأن الحق سبحانه قد حصر خلق الرحمة في سيدنا محمد وقصره عليه وحده، في حين أن الجانب الآخر من الآية يؤكد في نفس الوقت الشمول وعدم القصر، بمعنى أن الرسالة المحمدية كانت رحمة للعالمين، ليس للعرب وحدهم ولا للعجم، لا للشرقيين ولا للغربيين، ولكن لكل الخلق، كانت رسالة نور كلها، عدل كلها، مصلحة كلها، للناس في بقاع الأرض كافة.


وقد كان بديهياً لمن اصطفاه الله لحمل أعظم رسالة للناس، وفضله على العالمين أن يجمع مكارم الأخلاق، وأن يكون النموذج المثالي الحي للإنسان الكامل، ولا غرابة في ذلك، فهو منحة السماء إلى الأرض، ورحمة الله إلى العالمين ربَّاه الله فأحسن تربيته، وأدبه فأحسن تأديبه.

وقد حفل القرآنُ الكريم بالآيات الكريمة التي ترسم لنا صورة بديعة وصادقة عن أخلاق النبي  وفضائله، فضلا عن أن واقع سيرته النبوية كان أعظم شهادة على مدى رقي وسمو هذه الأخلاق؛ فهو صلى الله عليه وسلم كان الينبوع المتدفق للفضائل، بعثه ربه لينشر شذا فضائله بين الناس، ولهذا روى أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول عن نفسه (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)  رواه أحمد، وصححه الألباني.

إن هذه الرسالة التي بعث النبي بها، لهي من الكمال والعظمة والصدق بحيث لا يحتملها إلا الرجل الذي يثني عليه الله هذا الثناء في قوله تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (4) سورة القلم، إنها شهادة من الله جل في علاه له بأنه على أكمل الأخلاق وأرفعها بحيث لا يُدانى فيها بحال من الأحوال.


لقد كان النبي يمتاز بفصاحة اللسان، وبلاغة القول، وقلة التكلف، حيث كان يخاطب كل قبيلة بلسانها، ويحاورها بلغتها، كان أعدل الناس، وأصدقهم لهجة، وأعظمهم أمانة، اعترف له بذلك مجاوروه وأعداؤه، وكان يُسمَّى قبل نبوته الأمين، ويُتَحاكم إليه في الجاهلية قبل الإسلام.

غير أنه كان صلى الله عليه وسلم أشد الناس تواضعاً، وأبعدهم عن الكبر،  وكان يعود المساكين، ويجالس الفقراء، كان دائم البِشْرِ، سهل الخُلق، لين الجانب، وكان أوفى الناس بالعهود، وأوصلهم للرحم، وأعظمهم شفقة ورأفة ورحمة بالناس، كان قوي الاحتمال، صبور عند المكاره، لم يزد مع كثرة الأذى إلا صبرا، ولا مع إسراف الجاهل إلا حلما.

يضيف فضيلة الشيخ فارس أن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم تجاوزت البشر، فكانت رحمة كونية، تشمل كل الموجودات، مؤكدا أن سيرة النبي تعلمنا ليومنا هذا أن كل مخلوق في الدنيا لله حكمة من وجوده، لا يجوز بأي حال الاعتداء عليه تحت زعم أن هناك مصلحة ما من وراء ذلك الاعتداء، حتى أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قطع الشجر، وفي هذا الصدد يذكر الشيخ فارس أنه عندما وقع طوفان التسونامي قبل عدة أعوام، يقول بعض الباحثين الذين قاموا بدراسات في أعقاب تلك الكارثة، أن الخط الساحلي الذي كان مسيجا بالأشجار الاستوائية هناك، لم يصبه نفس القدر من الضرر ما أصاب المناطق الأخرى التي نزع الناس منها الأشجار، هكذا تظل الأحداث المعاصرة تخبرنا من جديد أن النبي لم يكن أبدا ينطق عن الهوى، وكان أرحم بالناس من أنفسهم حين كان ينهى الناس عن أمر ما، حتى ولو كان أمرا هينا كقطع شجرة.

كان نبي الرحمة كذلك ينهى عن إيذاء كل ذي روح، وكان يأمر بالرفق بالحيوان حتى عند الذبح، وكان يعلم الناس أن كل صنوف الحيوان هي أمم أخرى ينبغى الترفق بها وألا يؤلمها أحد أو يؤذيها، ويروى عن ابن عباس أَنَّ النَّبِي قَالَ: ( لا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا ) [أخرجه مسلم]، ويروى كذلك أن النبي قال : (من قتل عصفورا بغير مأكلة، عج له يوم القيامة ضجيج حول العرش يقول يا رب سل هذا لم قتلني بغير مأكلة؟) [أخرجه أحمد والنسائي].


من هذا المنطلق يؤكد الشيخ فارس أن دينا ونبيا بهذه الرحمة، يعلم أتباعه هذه الثقافة الراقية، لا يمكن أبدا أن يكون دينا للإرهاب والتطرف، بل هو دين الرحمة ونبي الرحمة التي يقول المولى عز وجل فيه {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} آل عمران:159، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } التوبة:128. 

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت